المقدمة
في الفترة الأخيرة، شهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدماً ملحوظاً وكبيرًا جدًا في عدة مجالات، من بينها نماذج الذكاء الاصطناعي للغة من إنتاج OpenAI المعروفة باسم Generative Pre-trained Transformer (GPT). تتميز هذه النماذج بقدرتها على فهم وإنشاء نصوص تشبه النصوص البشرية بدقة عالية. وتأثير هذه التقنيات على الاقتصاد وسوق العمل ونظام التعليم يمتد لآفاق بعيدة قد يطول شرحها، لكنني سأتطرق لها بشكل مختصر وبسيط وفقًا لدراسة تم تقديمها من قِبل OpenAI.
فهم GPT و OpenAI
تأسست OpenAI كمختبر بحثي في مجال الذكاء الاصطناعي على يد إليا ساتسكيڤر وغريك بروكمان ويرأسها سام ألتمان وغيرهم، بغية ضمان استفادة البشرية جمعاء من الذكاء الاصطناعي العام (AGI). من أبرز إنجازاتهم هو سلسلة GPT ، حيث يعتبر آخر نموذج هو GPT-4. وتتميز هذه النماذج بقدرتها الهائلة على إنشاء نصوص متسقة ودقيقة في سياقها، مما أدى إلى تطبيقات متنوعة في العديد من الصناعات مثل خدمة العملاء، والصحافة، والبرمجة وتنظيم الأعمال وغيرها من المجالات.
تأثير GPT على العمال والعمل
أظهرت دراسة حديثة (https://arxiv.org/pdf/2303.10130.pdf) أن نماذج GPT وغيرها من نماذج الذكاء الاصطناعي للغة قد تؤثر بشكل كبير على سوق العمل في الولايات المتحدة. وقد وجدت الدراسة بشكل خاص أنه من بين كل 10 عمال في الولايات المتحدة:
- سيتم تعزيز وظائف 6 عمال بواسطة الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن يكمل الذكاء الاصطناعي المدرب على التوليد النصي مسبقًا (GPT) مهامهم وتحسن كفاءتهم العامة. ووفقًا للدراسة، سيتأثر 10% من عمل هؤلاء الـ6 عمال بتكنولوجيا GPT في مجالهم.
- قد يواجه عاملان تأثيرًا سلبيًا بسبب استبدال مهامهم بتكنولوجيا GPT، مما يؤدي إلى بطالة محتملة أو ضرورة تعلم مهارات جديدة. وجدت الدراسة أن 50% من عمل هذين العاملين سيتأثر بتكنولوجيا GPT في مجالهم.
- لن يتأثر عاملان آخران بشكل كبير، حيث لن يعزز ولا يستبدل GPT وظائفهم.
حددت الدراسة عدة عوامل تحدد تعرض الوظائف لتكنولوجيا GPT وغيرها من نماذج الذكاء الاصطناعي للغة الكبيرة، بالإضافة إلى الوظائف المحددة التي يُرجح أن تتأثر بشكل كبير أو ضئيل:
| التعرض العالي | التعرض المنخفض | |
|---|---|---|
| الأجور المرتفعة | الأجور المنخفضة | العوامل |
| المهام التي تتطلب كتابة كثيفة | التصنيع والزراعة والتعدين | |
| البرمجة ومعالجة البيانات | الوظائف التي تتطلب تعليمًا رسميًا منخفضًا | |
| العمل التي تتطلب درجة جامعية أو أعلى | المناصب التي تتطلب تدريبًا واسعًا على العمل |
تأثير عالٍ على:
- المترجمون والمترجمين الفوريين.
- الباحثون والكتّاب والمؤلفون.
- متخصصو العلاقات العامة.
- معدو الضرائب.
- علماء الرياضيات.
- مهندسو البلوكشين.
- مصححو النصوص والمنقحين.
- المحاسبون والمراجعون.
تأثير ضئيل على:
- الرياضيون.
- فنيو الإصلاحات الآلية.
- الطهاة.
- مشغلو الماكينات الحفر والسائقين.
- العاملون في مجال البناء والحجر.
- العاملون في المطاعم.
- مساعدو النجارين.
في ضوء هذه المواد الناتجة عن الدراسة، قدمت OpenAI عدة توصيات بعدة مجالات للتركيز عليها من قبل الحكومات للحد من التأثيرات السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد وسوق العمل منها:
أ. التحضير للاضطرابات الاقتصادية
يجب على الحكومات أن تكون استباقية في التعامل مع الاضطرابات الاقتصادية التي يمكن أن تسببها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلال وضع سياسات تتطلع إلى المستقبل وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمار في البحوث والتطوير، مما يمكّن الحكومات من تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي لضمان فوائد واسعة وتقليل التفاوتات والتخلف الذي سينتج عن عدم الاهتمام في هذا الجانب القادم بقوة.
ب. إصلاح سياسات التعليم
مع استمرار تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من الضروري إصلاح سياسات التعليم والتركيز على المهارات التي تكمل الذكاء الاصطناعي، مثل الإبداع والتفكير النقدي والذكاء العاطفي. من خلال تعزيز مفهوم التعلم مدى الحياة والقدرة على التكيف، يمكن للأفراد أن يكونوا أكثر استعدادًا لمواجهة تطور سوق العمل وإيجاد مساحات ومجالات عمل جديدة قد تخدم المقبلين على سوق العمل.
ج. إصلاح سياسة تدريب العمال
يجب أن تكون مبادرات إعادة التأهيل المهني وتحسين المهارات جزءًا أساسيًا من سياسات تدريب العمال. يجب على الحكومات الاستثمار في برامج تساعد العمال على الانتقال إلى أدوار وصناعات جديدة بالاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة وتطوير مهاراتهم الفكرية والمهنية مما يساعد ويساهم في تقدم المنظومة التدريبية والمهنية لهم.
د. إصلاح برامج الحماية الاجتماعية
إلى جانب السياسات التعليمية والتدريبية، يجب على الحكومات أيضاً تعزيز برامج الحماية الاجتماعية لحماية العمال الذين تأثروا بفقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي. من خلال تعزيز المعونة للبطالة وتنفيذ برامج التأمين على الأجور واستكشاف أشكال وطرق جديدة من الدعم الاجتماعي يمكّن الحكومات من تخفيف التبعات السلبية للاضطراب الاقتصادي الناجم عن الذكاء الاصطناعي.
الخاتمة
تمثل تكنولوجيا GPT وغيرها من نماذج الذكاء الاصطناعي تحدياً وفرصة للحكومات والمجتمعات على حد سواء. من خلال التركيز على إصلاح سياسات التعليم وتدريب العمال والحماية الاجتماعية، مما يسمح بتمكين الحكومات من توجيه العالم نحو مستقبل يستفيد من قدرات الذكاء الاصطناعي بطريقة مستدامة وشاملة للجميع.
